سورة الأعراف - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
{يابني ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ} أي خلقنا لكم، وقيل: نزّلنا أسبابه وآلاته لأنه المثبّت بما يقول.
وقيل: على الحكم كبقيّة صنعته وذلك أن قريشاً كانوا يطوفون بالبيت عراة وقوله: {لِبَاساً} وهو ما يُلبس من الثياب {يُوَارِي} يستر {سَوْءَاتِكُمْ} عوراتكم واحدها سوءة، وهي فعلة من السوء سمّيت سوأة لأنّه يسوء صاحبها إنكشافها من جسده {وَرِيشاً} يعني مالاً في قول ابن عباس والضحاك والسدي، فقال: الريش: الرجل إذا تموك وقال ابن زيد: الريش الجمال.
وقيل: هو اللباس. وحكي أبو عمرو أنّ العرب تقول: أعطاني فلان ريشة أي كسوة وجهازة.
وقرأ عثمان بن عفان والحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء وقتادة: ورياشاً بالألف وهو جمع ريش مثل ذئب وذياب وبير وبيار وقَدِحَ وقداح.
قال قطرب: الريش والرياش واحد، كقولك دبغ ودباغ ولبس ولباس وحل وحلال وحرم وحرام، ويجوز أن يكون مصدراً من قول القائل: راشه إليه بريشه رياشاً.
والرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من المتاع والثياب والفراش وغيرها. وقال ابن عباس: الرياش اللباس والعيش والنعيم. وقال الأخفش: الرياش الخصبة والمعايش.
{وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ} قرأ أهل المدينة والشام. والكسائي ولباس التقوى بالنصب عطفاً على الريش. وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء وخبره {خير}.
وجعلوا ذلك صلة في الكلام، وكذلك قرأ ابن مسعود وأُبي بن كعب: ولباس التقوى خير. واختلفوا في لباس التقوى ماهو هل يدلّ على لباس التقوى الدرع والساعدان. والساقان. والآلات التي يتّقى بها في الحرب مع العدو.
وقال قتادة والسدي وابن جريج: لباس التقوى هو الإيمان. وقال معبد الجهني: هو الحياة. وأنشدني أبو القاسم السدوسي قال: أنشدني أبو عرابة الدوسي في معناه:
إني كأني أرى من لا حيالة *** ولا أمانة وسط الناس عُرياناً
عطيّة عن ابن عباس: هو العمل الصالح وروى الذبال بن عمرو عن ابن عباس قال: هو السمت الحسن في الوجه.
وقال الحسن: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص قوهي محلول الزر وسمعته يأمر بقتل الكلاب وينهى عن اللعب بالحمام، ثمّ قال: أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفس محمد بيده ماعمل أحدٌ قط سراً إلاّ ألبسه الله رداءه علانية إن خيراً فخير وإن شراً فشر» ثمّ تلا هذه الآية {وَرِيشاً وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ} قال: السمت الحسن.
وقال عروة بن الزبير: لباس التقوى خشية الله، ابن زيد: ستر للعورة يتقي الله فيواري عورته {ذلك مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} قال وهب بن منبه: الإيمان عريان لباسه التقوى وزينته الحياء وفاله الفقه وجماله العفّة، وثمره العمل الصالح.
{يابني ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} لا يعلّمنّكم ولا يستزلّنكم فتبدي برأيكم للناس في الطواف بطاعتكم. {كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ} {إِنَّهُ} يعني الشيطان {يَرَاكُمْ} يابني آدم {هُوَ وَقَبِيلُهُ} خيله وجنوده وهم الجن والشياطين.
قال ابن زيد: نسله {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} قال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربعاً: نرى ولا يُرى ونخرج من تحت الثرى. ويعود شيخنا فتى.
قال مالك بن دينار: إن عدواً يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلاّ مَنْ عصم الله.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبي قال: سمعت عليّ بن محمد الورّاق يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: الشيطان قديم وأنت حديث والشيطان ليّن وأنت ناعم الناحية والشيطان يراك وأنت لا تراه والشيطان لا ينساك وأنت لا تزال تنساه ومن نفسك له عون وليس لك منه عون.
وقيل: صدر ابن آدم مسكن له ويجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنه لا يقاومه إلاّ بعون الله. ومنه يقول: ولا أراه من حيث يراني. وعندما أنساه لا ينساني فسيدي إن لم تغث يسبيني كما سبا آدم من جنانك.
قال ذو النون المصري: إن كان هو يراك من حيث لا تراه فإنّ الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً.
{إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ} أعواناً وقرناء {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} وفاحشتهم أنّهم كانوا يطوفون بالبيت عُراة الرجال بالنهار والنساء بالليل. ويقولون: نطوف كما ولدتنا أُمهاتنا ولا نطوف في الثياب التي اقترفنا فيها الذنوب.
وكانت المرأة تضع على قُبُلها النسعة أو الشيء وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه *** وما بدى منه فلا أُحلّه
وفي الآية إضمار ومعناه {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} ونُهوا عنها {قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا} قيل: من أين أخذوا آباؤكم قالوا: {والله أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط} قال ابن عباس: بلا إله إلاّ الله، وقال الضحاك: التوحيد، وقال مجاهد والسدي: بالعدل {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال مجاهد والسدي وابن زيد: يعني وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة.
وقال الضحاك: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند المسجد فصلّوا فيه ولا تقولن: أحب أن أُصلي في مسجدي، وإذا لم يكن عند مسجد فليأت أيّ مسجد فليصلِّ فيه.
وقال الربيع: معناه واجعلوا سجودكم لله سبحانه وتعالى خالصاً دون ما سواه من الآلهة والأنداد {وادعوه} واعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} الطاعة والعبادة {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تبعث كل نفس على ما كانت عليه».
قال ابن عباس: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً كما قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] ثمّ يعيده يوم القيامة كما بدأ خلقهم كافراً ومؤمناً، فيبعث المؤمن مؤمناً والكافر كافراً.
وقال جابر: يبعثون على ما ماتوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. وقال أبو العالية: عادوا إلى علمه فيهم.
قال محمد بن كعب: من ابتدأ خلقه على الشقوة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه وإن عمل بإعمال أهل السعادة، كما أنّ إبليس عمل أعمال أهل السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه، ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه وإن عمل أهل الشقاوة، كما أنّ السحرة عملت أعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدأ عليه خلقهم.
وقال سعيد بن جبير: معناه كما كتب عليكم يكونون نضير قوله: {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [ألأنبياء: 104].
قال قتادة: خلقكم من التراب وإلى التراب تعودون نضير قوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} [طه: 55].
وقال الربيع ابن أنس: كما بدأكم عرياناً تعودون لهم عرياناً. نضيره قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94].
وقال السدي: كما خلقكم فريق مهتدون وفريق ضلال، كذلك تعودون تخرجون من بطون أُمهاتكم، قال الحسن ومجاهد: كما بدأكم فخلقكم فريق مهتدون وفريق ضلال. كذلك تعودون يوم القيامة، نضيره قوله: {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [ألأنبياء: 104].
روي سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُحشر الناس حُفاة عُراة وأوّل من يُكسى إبراهيم عليه السلام» ثمّ قرأ {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [ألأنبياء: 104].
{فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الله وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}.


{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}
{يابني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال المفسّرون: كانت بنو عامر في الجاهلية يطوفون في البيت عُراة الرجال بالنهار والنساء بالليل، وكانوا إذا قدموا مسجد منى طرح أحدهم ثيابه في رحله وإن طاف وهي عليه ضُرب وانبزعت منه فأنزل الله تعالى: {يابني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} يعني الثياب.
وقال مجاهد: ما تواري به عورتك للصلاة والطواف وقال عطيّة وأبو روق وأبو رزين: المشط. وسمعت أبو القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا الهيثم الجهني يحكي عن السنوخي القاضي: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} يعني: رفع الأيدي في مواقيت الصلاة.
وروى علي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخبر، قول جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء زينة وإن زينة الصلاة برفع الأيدي فيها في ثلاث مواضع إذا تحرمت للصلاة,إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع».
{وكُلُواْ واشربوا} قال الكلبي: كانت بنو عامر لا يأكلون من الطعام إلاّ قوتاً ولا يأكلون دسماً في أيام حجّهم يعظّمون بذلك حجّهم فقال المسلمون: يا رسول الله نحن أحق أن نفعل ذلك، فأنزل الله تعالى {وكُلُواْ} يعني اللحم والدسم {واشربوا وَلاَ تسرفوا} يعني الحرام.
قال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك سرف ومخيلة، وقال مجاهد: الإسراف ما قصرت به عن حق الله. وقال: لو أنفقت مثل أُحُد في طاعة الله لم يكن سرفاً ولو أنفقت درهماً أو مداً في معصية الله كان إسرافاً.
وقال الكلبي: ولا تُسرفوا يعني لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} المتجاوزين من فعل الحرام في الطعام والشراب، وبلغني أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعليّ بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان، قال عليّ: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء في الطب؟
فقال عليّ: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب فيّ ألفاظ يسيرة قال: وما هي؟ قال: قوله: «المعدة بيت الداء والحمية رأس كلّ دواء وأعطِ كل بدن ما عودته».
فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّاً.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} يعني الثياب {وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق} قال ابن زيد: كان قوم إذا حجّوا أو اعتمروا حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها لبنها وسمنها ولحمها وشحمها، فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} الآية.
قال ابن عباس وقتادة: يعني بالطيبات من الرزق ما حرم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب والوصايا والحوامي. {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} قال ابن عباس: إنّ المؤمنين يشاركون المشركين في الطيّبات من الدنيا فأكلوا من طيّبات طعامهم وأُلبسوا من جياد ثيابهم وانكحن الزوج... إلخ كما هم، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء ومجاز الآية: قل هي للذين آمنوا مشتركة في الحياة الدنيا وخاصة في يوم القيامة.
وقراءة ابن عباس وقتادة ونافع: خالصة بالرفع يعنون قل هي خالصة.
وقرأ الباقون: بالنصب على القطع لأن الكلام قد تمّ دونه {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش} يعني الطواف عُراة {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} طواف الرجال بالنهار {وَمَا بَطَنَ} طواف النساء بالليل.
وقيل: هي الزنا والمخالة.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أحب إليه من المدح من الله سبحانه من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، وليس أحد أحب إليه العذر من الله عزّ وجلّ من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل».
{والإثم} يعني الذنب والمعصية. وقال الحسن: الإثم الخمر. وقال الشاعر:
شربت الإثم ظل عقلي كذلك *** الأثمّ يذهب بالعقول
وقال الآخر:
نشرب الإثم بالصواع جهاراً *** ونرى السكر بيننا مستعارا
{والبغي} وهو الظلم {بِغَيْرِ الحق وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} حجة وبرهاناً {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} تحريم الملابس والمأكل {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مدّة وأجل، وقيل: وقت حلول العقاب وأوّل العذاب. {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وإذا أنقطع أجلهم، وقرأ ابن سيرين آجالهم {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} لا يتأخّرون {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} لا يتقدّمون {يابني ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} شرط معناه: إن أتاكم عجزاً به فمن بقى، وقيل فأطيعوه وقال: مقاتل: أراد بقوله يابني آدم لا تشركوا بالرب، وبالرسل محمد صلى الله عليه وسلم وحده. {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} عمله {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَآ} عن الإيمان بمحمد والقرآن {أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.


{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب} حظّهم بما كتبوا لهم في اللوح المحفوظ. وقال الحسن والسدي وأبو صلاح: ما كسب لهم من العذاب.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطيّة: ما سبق لهم من الشقاوة والسعادة. وروى بكر الطويل عن مجاهد في هذه الآية قال: قوم يعملون أعمالا لابد من أن يعملوها ولم يعملوها بعد. قال ابن عباس وقتادة والضحاك: يعني أعمالهم وما كتب عليهم من خير أو شر، فمن عمل خيراً أُجزي به ومن عمل شراً أُجزي به. مجاهد عن ابن عباس قال: هو ما وعدو من خير وشر. عطيّة عن ابن عباس أنّه قال: ينالهم ماكتب لهم وقد كتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسود، يدل عليه قوله تعالى، {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60].
قال الربيع والقرظي وابن زيد: يعني ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار فإذا فنيت وتم خرابها {حتى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يقبضون أرواحهم يعني ملك الموت وأعوانه {قالوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ} تعبدون من دون الله {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أنشغلوا بأنفسهم {وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ} أقروا {أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} قالوا: شهدنا على أنفسنا بتبليغ الرسل وغرّتهم الحياة الدنيا وشهدوا وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين {قَالَ ادخلوا} يقول الله عزّ وجلّ لهم يوم القيامة ادخلوا {في أُمَمٍ} يعني مع جماعات {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن الجن والإنس فِي النار} يعني كفار الأُمم الماضية {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} في الدين والملة ولم يقل أخاها لأنّه عنى بها الأُمّة فيلعن المشركون المشركين واليهود اليهود، وكذلك النصارى النصارى والمجوس المجوس ويلعن الأتباع القادة يقولون: لعنكم الله أنتم غررتمونا يقول الله عزّ وجلّ {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا} أي تلاحقوا {جَمِيعاً} قرأ الأعمش: حتّى إذا تداركوا، على الأصل، وقرأ النخعي: حتّى إذا أدركوا، مثقلة الدال من غير ألف أراد فنقلوا من الدرك.
{قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} قال مقاتل: يعني أُخراهم دخولاً للنار وهم الأتباع، {لأُولاَهُمْ} دخولاً وهم القادة.
قال ابن عباس: {أُخراهم} يعني آخر الأُمم، {لأولاهم} يعني أوّل الأُمم، وقال السدي: أُخراهم يعني الذين كانوا في آخر الزمان. {لأولاهم} يعني الذين شرعوا لهم ذلك الدين {رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا} عن الهدى. يعني الفساد {فَآتِهِمْ} أي فأعطاهم {عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار} أي مضعفاً من النار {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} من العذاب {ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ} حتّى يحل بكم {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} لأنّكم كفرتم كما كفر به ونحن وأنتم في الكفر شرع سواء وفي العذاب أيضاً {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ} قرئ بالياء والياء والتشديد والتخفيف جميعاً {لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء} يعني لأرواحهم وأعمالهم لأنّها خبيثة فلا يصعد بل تهوى بها إلى سجن تحت الصخرة التي تحت الأرضين.
روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة، وأبشري بروح من الله وريحان ورب غير غضبان فيقولون ذلك حتّى تخرج ثمّ تعرج بها إلى السماء فينفتح لها فيقال: من هذا فيقال: فلان فيقولون: مرحباً بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقال: ذلك لها حتّى يعرج بها إلى السماء السابعة.
وإذ كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة من الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فيقولون ذلك حتّى يخرج، ثمّ يعرج بها إلى السماء فتفتح لها فيقال: من هذا فيقولون فلان، فيقولون: لا مرحباً بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث أرجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء فيُرسل من السماء والأرض فيصير إلى القبر».
{وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} يعني يدخل البعير في ثقب الإبرة وهذا مثل والسمّ وهو الإبرة.
وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير: الجمل بضم الجيم وبتشديد الميم. وهو حبل السفينة ويقال لها الفلس قال عكرمة: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل {وكذلك نَجْزِي المجرمين * لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} فراش من نار {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} وهي جمع غاشية وذلك ما غشاهم وغطاهم وقال القرظي ومجاهد: هي اللحف {وكذلك نَجْزِي الظالمين} قال البراء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكسي الكافر لوحين من نار في قبره»، فذلك قوله: {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}. {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} أي طاقتها ومايسعها ويحلّ لها فلا تخرج منه ولا تضيق عليه {أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا} وأخرجنا وأذهبنا {مَا فِي صُدُورِهِم} قلوبهم {مِّنْ غِلٍّ} وحقد وعداوة كان من بعضهم على بعض في الدنيا فجعلناهم إخواناً على سرر متقابلين لا يحسد بعضهم بعض على شيء خص الله به بعضهم وفضلهم به، روى الحسن بن عليّ رضي الله عنه قال: فينا والله أهل البيت نزلت {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].
وقال عليّ كرّم الله وجهه أيضاً: «إنّي لارجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم} الآية».
وقال السدي: في هذه الآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنّة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأُخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبداً.
وروى الجزائري عن أبي نضرة قال: تحتبس أهل الجنّة حتّى تقتص بعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنّة حين يدخلونها، ولا يطلب أحد منهم أحداً علاقة ظفر ظلمها إياه وتحبس أهل النار دون النار حتّى تقتص لبعضهم من بعض يدخلون النار حين يدخلونها، ولا يطلب أحد منهم أحداً بعلاقة ظفر ظلمها أياه {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} وفقنا وأرشدنا إلى هذا يعني طريق الجنّة وقال سفيان الثوري: معناه الحمد لله الذي هدانا لعمل هذا ثوابه {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أهل النار يرى منزلة مَنْ بالجنّة فيقولون: لو هدانا الله نكون من المؤمنين وكل أهل الجنّة ترى منزلة من بالنار ويقولون: لولا أنّه هدانا الله فهذا شكرهم قال: وليس هناك من كافر ولا مؤمن إلاّ وله في الجنّة أو النار منزل فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار فدخلوا منازلهم رفعت الجنّة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثمّ يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنّة منازلهم، ونودوا أن صحوا ولا تسقموا وأخلدوا فلا تموتوا وأنعموا ولا تيأسوا وشبّوا فلا تهرموا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8